د . آمال علي الموسوي
للعمل أهمية كبيرة في الإسلام وبالعمل ينهض المجتمع ويتقدم وينافس غيره في مجالات عديدة ، فالعمل ليس جهد يبذل من أجل الحصول على المال ، وانما له معاني أخرى ومنها يكون دليل على استثمار قدراته ومواهبه التي اودعها الله فيه وغيرها من المعاني ، كثيرة هي الآيات القرآنية التي اشارت الى العمل بشكل عام ومنها في قوله تعالى ( ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا ..) ، وأيضا في قوله تعالى ( من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) وبالعمل النافع قد تغفر الذنوب، كما أن هناك احاديث افصحت عن أهمية العمل كما في قول الرسول (ص) ( من بات كالاً من عمله بات مغفوراً له ) ،وقول آخر للرسول يتعلق بالعمل وافضاله ( اليد التي تعمل يداً يحبها الله ورسوله ) ، وبالعمل الصالح والنافع تكسب الحسنات ، فكيف اذا كان العمل تطوعياً لخدمة من هو محتاج للمعونة ، فالعمل التطوعي بشكل عام هو العمل النافع والنبيل الذي وجد منذ القدم ويعد سلوكاً إنسانيا نحو فعل الخير وتقديم يد العون للآخرين ، فهو السعي لبذل مجهود مالي أو عضلي أو عيني أو فكري لخدمة فئة معينة من الناس ، وبه يكسب الانسان ثواب الدنيا والاخرة ، فهذا النوع من العمل له خصوصيه على اعتبار متعلق بالإنسانية والذات فهو خدمة تقدَم للناس بدون مقابل ، كما هي سمة أخلاقية لا تقوم على الانانية ، وانما على دوافع إنسانية لتقديم فعل الخير للآخرين .
ويمكن أن نجد مفهوم العمل التطوعي المرتبط بالإنسانية في الشرع ، فالعمل التطوعي في المنظور الشرعي يعني كل عمل يراد به التقرب الى الله تعالى بما ليس بفرض او اجبار او اكراه ويكون العمل صادر من تلقاء الشخص نفسه ودون مقابل ، كما ويعني البذل والجهد بالمال والوقت والممتلكات وبصحة الانسان لاحتساب الاجر في الاخرة ، فهو عمل خارج نطاق المقابل ، الذي يبتغي صاحبه وجه الله تعالى والاجر والمثوبة منه .، فقد حث الإسلام على العمل التطوعي، فهو استجابة لظروف طارئة أو للمواقف التي تتطلب الإنسانية والأخلاقية
كما ويعني في القانون هو كل نشاط مادي او معنوي يسخر تطوعا لخدمة الاخرين لغرض غير مربح من اجل ترقية الأنشطة ، ويعرف أيضا ضمن نطاق الجمعيات الخيرية بانه كل اتفاق بين اثنين أو اكثر يضع بموجبه شخصين او عدة اشخاص بصفة مشتركة ودورية كل انشطتهم ومعارفهم في غرض لا يدر ربحاً ، فالعمل التطوعي في نطاق القانون يخضع الى القيم والنظام العام والآداب العامة التي تحكم المجتمع والالتزام بالقوانين التي تضبط سلوك افراده ، مما يجعل العمل التطوعي منضبطا بخلفية المجتمع والفلسفة الأخلاقية والقيمة القانونية ، على اعتبار ان المجتمع هو الضامن الأساسي لقيام العمل التطوعي ، ويعد وسيلة من وسائل المشاركة في النهوض الاجتماعي وسبيلا من سبل تحقيق التكافل والتضامن الاجتماعي، فهو يمثل جهدا اراديا فرديا او جماعيا يبذل عن رغبة واختيار بهدف خدمة الغير وتحقيق المصلحة العامة من دون طلب مقابل مادي ، وعليه فالأعمال التطوعية هي نواة المجتمع المتقدم وجزء لا يتجزأ من ابداع ونهضة وتطور ، لأنه يسمو بقدر ما تعطي لا بقدر ما تأخذ.
ويمكن لنا ابداء معنى للعمل التطوعي من خلال وصفه بانه سلوك يعَبر عن قيم التفاني والمحبة والايثار بالنفس ، ولا ينطوي على مكافاة أو مصلحة شخصية وانما يتم تنفيذه في سبيل الله ، فالدعوة الى العمل التطوعي هي دعوى للتعاون والتكافل والتضامن وعمل الخير ومصداق ذلك في الآية الكريمة ( وتعانوا على البر والتقوى ..) .
ويبدو ان العمل التطوعي مفهومه واسع ومتعدد وقد يشمل حتى تقديم المشورة او المشاركة في اعانة المعاقين او تقديم المساعدة للمحتاجين ، أو اسعاف أناس تضرروا من حوادث الطريق ، مما يلاحظ ان بعض هذه الاعمال التطوعية لا تحتاج الى قانون يعطل مشاركتها ما دامت تصب منفعة للأخرين ، فينبغي تحديد هذه الاعمال في اطار الواجبات والمسؤوليات التي ينظمها القانون .
اما في نطاق القانون لم يتطرق المشرع العراقي ضمن تنظيمه للعقود المسماة ، الى عقد التطوع ولا الى العمل التطوعي ويعّد ذلك نقصا تشريعياً يعاني منه القانون المدني ، وهذا مما يعد من الأسباب التي تحول دون تقدم وتطوير العمل التطوعي ويساهم أيضا في تحجيم دور هذا النوع من العمل ، ولا يشجع على استقطاب من لديه الروحية التطوعية بل يلاحظ ان القانون بواقعه الحالي لا يوفر لهم الحماية اللازمة فيما اذا اقبلوا على عمل تطوعي ذاتي ولا يهيئ لهم الغطاء القانوني الذي يحتمون به .
فالعمل التطوعي قد يكون عملا منظما في اطار بعض التشريعات تطبقه سائر الجمعيات والمؤسسات الخيرية ، حيث لا يتقاضى الفرد في العمل التطوعي اجراً على ما يقوم به من اعمال ، ولا يجبر للعمل أو تحمل المسؤولية ، الا اذا كان راغبا فيه من ذاته من أجل خدمة الاخرين ، وقد يكون العمل التطوعي تلقائي او عشوائي ليس له قانون معتمد ، انما يساهم الافراد طوعا من ذواتهم في الخدمات العامة ، وقد يتعرض هذا النوع الأخير من التطوع الى مشاكل قانونية ، فالعمل التطوعي غير المنظم والصادر من الاندفاع الذاتي قد يكون الشخص مسؤولا نتيجة خطأ يصدر منه غير متعمد ولكن يحاسب عليه القانون ، فالحاجة الى تنظيم العمل التطوعي مسألة غاية في الأهمية ، فالتنظيم حاجة ضرورية ما دامت فكرة العمل التطوعي أساسا تعكس إنسانية الشخص وخلقه ، فالعمل التطوعي يرتبط ارتباط وثيق بالثقافة والخلاق ، فينبغي تطويره وتنظميه لكي يكون أداة فاعلة للمجتمع ، وهذا التنظيم للعمل التطوعي عندما يكون في اطار التشريعات يعزز مكانته الاجتماعية باعتباره عمل انساني يعكس مدى ذاتية الشخص وحبه للعمل بدون اجبار او اكراه ، ولإعطاء الديمومة والاستمرارية في قيام الناس بواجباتهم تجاه المجتمع من ذوات انفسهم ،لأنه ما ينشأ من علاقات وما يترتب عليها من حقوق والتزامات ، فلابد من تأطيره وتنظيمه .
ويبدو إن للعمل التطوعي مقتضيات هامة ، منها يساعد العمل التطوعي على تنمية القدرات وصقل الشخصيات مما يتيح للمتطوع الوقوف على معاناة الناس وتقدير احتياجاتهم والمشاركة لتخفيف تلك المعاناة ، كما انه ينمَي القدرات الذهنية والمهارات الفنية ، ويعمل على إرساء قاعدة متينة من السلوكيات والمنهاج الجيد في المجتمع ، وعليه كان لزاما سواء على الفرد ام الدولة القيام بتعزيز ثقافة العمل التطوع في كافة مجالاته ، وبناء جمعيات او تشكيل فرق من الافراد للقيام بهذه الاعمال التطوعية .
استناداً لما سبق ذكره نأمل من المشرع العراقي اسوة ببعض التشريعات القيام بتنظيم العمل التطوعي او عقد التطوع وتحديد الياته بنصوص قانونية محددة لتكون هناك حماية قانونية لعمل المتطوعين ، كما نأمل من الدوائر الحكومية والمؤسسات الاكاديمية أو الجمعيات القيام بتشكيل فريق عمل تطوعي لخدمة الدائرة او المؤسسة أو الجمعية أو حتى عامة الناس في الظروف الطارئة ، مما يترك الأثر الإيجابي على المتطوع ذاته والاخرين ، فهذا التصرف ما هو الا عمل انساني بحت ولابد من تنظيمه قانونا ، و نحتاج اليه حقا ، سواء كنا نحن المتطوعين او تقَدم الخدمة لصالحنا وعلى جميع الأصعدة لا سيما ان كان العمل التطوعي مادي او معنوي ، فالمزيد من هذا النوع من العطاء وهو العمل التطوعي يجعل الفرد والأمة بخير فهل من مجيب ؟